يهمني كثيراً في هذه الحياة أن أتحدث عن التفاؤل والامور البناءة في حياتنا العامة.. ولكن بين الحين والآخر تفرض عليَ وقائع الحياة لأن أتطرق الى بعض السلبيات التي تواجهنا، وذلك لأنها من صلب الواقع ولا يمكن التغاضي عنها وتركها في الزاوية المظلمة من تفكيرنا بدون تحليل ودراسة.
في عمرٍ مبكر، لم يتعرف قلبي على الكثير من المشاعر السلبية، لأني كنتُ محاطاً بالمشاعر الإيجابية في بيئة عائلية منحتني الحب والتقدير.. وعلى الرغم من مصاعب الحياة التي عانينا منها في بلادنا الأم إلا إننا كنا قادرين على أن نصبر ونقاوم بسبب الروابط الأجتماعية التي كانت تسود مجتمعنا في ذلك الوقت (ربما الآن تغيرت بعض من هذه المفاهيم). عموماً، في حوارٍ مع أحد الأصدقاء، ذكرتُ أسم أحد الأشخاص في سياق حديثي معه، وإذا بصديقي يتنفضُ منزعجاً، قائلاً: ارجوك لا تذكر أسمه أمامي. أستغربتُ في حينها من هذا الكم الهائل من الغيض، وانا لم اعتبره كراهية لأني كنتُ أعلمُ بأن صديقي هذا لا يستطيع أن يكره أحد من شدة نبل أخلاقه وسمو مبادئه.. فسألته عن السبب.
فقال: لقد سبب هذا الشخص لنفسي الكثير من الأذى، مما جعلني لا أستطيع رؤيته، أو حتى سماع أسمه..! لذلك فقد قررت إلغاء وجوده في حياتي. فقلت: وكيف ذلك يا صاحبي؟ ماذا لو صادفته في مكانٍ ما؟ قال: تأكد يا صديقي بأني لن أنظر الى وجهه مهما كلفني الأمر، لأن شخصه قد مات في داخلي.. ولكن، مع كل هذا فأنا لا أضمرُ له الشر، ولا أتمنى أن يصيبه أي مكروه بسببي، لأني لا أفقه في معاني الأذى، ولا أستمتع بها.. ولكني أتمنى أن لا أراه مهما حييت.. قدّرتُ موقف صديقي، وأحترمت ألمه ورغبته في عدم التطرق الى اسم ذلك الشخص.
وبعد مرور الأيام والسنوات، أكتشفت بأن أمثال هؤلاء الأشرار كثيرون جداً في حياتنا الباطلة، وهم قادرون على تسبيب جروحٍ نفسية لا يمكن الشفاء منها مهما حاول المرء أن يتعامل معها بأسلوبٍ حضاري أو حتى علاجي..!
مثل هذه المشاعر السلبية التي من الممكن أن تؤثر على حياة كل واحدٍ فينا بشكلٍ كبير، قد تصبح مصدراً للألم النفسي المبرح.. لأنها لا تخضع الى قوة النسيان.. ولا الى ضوابط الغفران. وقد يتفسلف البعض ويتحدثون بمثالية غير واقعية طالبين من ضحايا هؤلاء الجاحدين أن يسامحوا وأن يمرروا الأذى بعد الأذى من باب النصح والإرشاد، ولكنهم في الواقع لا يقدّرون معاني الألم التي عانى منها من كان ضحية لمن لا رحمة في قلوبهم...
بالتأكيد هناك أشخاص يتركون آثاراً وذكرياتً جميلة في حياة في كل فردٍ منا، مما يجعلنا نتوق الى لقياهم أو حتى الى ذكر قصص جمعتنا معهم.. ولكن هناك أشخاص نتمنى لو لم نراهم من الاساس..!
لو لم تجمعنا الظروف بأمثالهم..! لو لم نسمع بأسمهم لا من بعيد ولا من قريب.. لأنهم لم يتركوا في حياتنا سوى الجروح التي لا تشفى.. ولكن، كل شئ في حياتنا يحدث لسبب ما، قد نفهمه وقد لا نفهمه (هذا رأيي مع إحترامي للآراء الأخرى).. وطبعاً، مهما كُنا مثاليين، علينا إدراك حقيقة إن التعذيب وأحتمال الألم بشكل متواصل من قبل إناسٍ لا يدركون معاني التعايش بلا أذى وعدم احترام مشاعر الآخرين هو كالقاتل البطيء في بعض الأحيان.
المثالية يمكن تطبيقها مع الأشخاص من ذوي القلب الرحيم أو الحكماء أو ممن يتحلون بأخلاقٍ عالية..
ولكن مع جاحدي القلب، والغادرين وناكري المعروف - كيف يمكن مواصلة التعامل معهم وهم لا يفقهون معاني التعامل الإنساني أو الرحمة أو الأحترام والتقدير؟ لذا، وبأعتقادي المتواضع، فإن المنطق الحكيم يقول: حاول أن لا ترد الإساءة بالإساءة، ولكن كلما كان بإستطاعتك أن تبتعد عن أمثال هؤلاء، فلا تتردد.
وكل من هو مجبر على تعامله والتعايش معهم لسبب أو لآخر، فـ لله درّه.