هناك أشياء عندما تتغير لايمكن إعادتها الى وضعها الطبيعي أبداً.. وكلما حاول المرء أن يقنع نفسه بأن يتعايش مع الوضع الجديد يجد نفسه حائراً، تائهاً، غير مستقراً أمام أمرٍ تغيّر، ولا يمكن التعامل معه كالسابق.
يا ترى ماهو الحل؟ دعونا نتأمل في بعض التعليقات التي وردتني عندما قمتُ باستفتاء للرأي (قبل حوالي شهر) حول عودة المياه الى مجاريها بين الاشخاص الذين حدثت معهم بعض المواقف الغير مستحبة:
يقول ج. ك.
– منحته ثقتي، وأعتبرته أكثر من أخي لمدة 15 سنة.. كان يدخلُ بيتي كفرد من أفراد عائلتي.. وإذا بي أتفاجئ بأنه لم يكن أهلاً لثقتي.. لقد كانت صدمة كبيرة لي.
تقول ت. أ.
- الذي لا يؤتمن على القليل لا يمكن ائتمانه على الكثير.. لذلك علينا تجربة الناس في مواضيع صغيرة قبل ان نأتمنهم على اسرارنا الكبيرة.
يقول ح. أ.
- اسوأ الناس من يخونك مع اقرب الناس... فقد خانتني خطيبتي مع ابن خالتي.. وهذا كان اسوأ ما حدث في حياتي.. لأني كنت آمناً وواثقاً من كليهما...
يقول س. س.
– أسامح، ممكن.. ولكن أثق مجدداً، مستحيل.!
تقول ف. ن. – عندما نتحقق من الأمور قد نكتشف بأننا تسرعنا في إصدار الاحكام، حينها يتوجب علينا أن نفعل ما بوسعنا للتوضيح للشخص المعني بأننا أخطأنا بحقه (او بحقها).. ولكن عندما نتأكد من أن الاذى كان مقصوداً، فكيف لنا أن نثق بأن لا يتكرر؟
لاحظتُ من إجابات جميع المشاركين في هذه الدراسة بأن الموضوع كله يتمحور حول ثلاثة عناصر رئيسية:
عنصر المفاجئة: حيث لم يكن من المتوقع أن تبدر المواقف السيئة من هؤلاء الأشخاص بالذات.
عنصر الثقة: إذ يعتبر فقدان الثقة عاملاً جوهرياً في هدم أقوى العلاقات، وهذا ما يصعب تجاوزه وتغييره (إذا لم يكن من المستحيل ذلك).
جرح النفس: عندما يكون جرح النفس عميقاً، فعادة ما يستمر الالم النفسي الناجم عن السبب الذي تسبب بهذا الجرح الى مدى طويل من الزمن، وقد يأخذ العمر بطوله في بعض الأحيان. هناك فرق كبير بين التسامح وبين أن يكون المرء سلبياً وخاضعاً لمن يسبب الاذى له أو لغيره. فنحن لا يمكن أن نسمح للشر بالتفشي من باب الرحمة، لان هذا سيسبب الفوضى. ولا يمكن أن نقابل المواقف السلبية بمواقف سلبية مثلها، لأنها ستحول الحياة الى حلبة مصارعة كبيرة.. ولا نستطيع التغاضي عن كل الأمور السيئة من باب التجنب، لاننا سنتعرض لضربة قاضية يوماً ما، وحينها لن يكون هناك وسيلة لتجنبها.
فما العمل إذا؟
حياتنا ليست بمثالية.. والشر ممكن أن يحدث في أي لحظة، وربما من أشخاص لم نتوقع يوماً أن تأتي الضربات من خلالهم.
ولكن علينا أن نتسلح بالحكمة.. فالحكمة هي أفضل وسيلة للتعامل مع المواقف.
ولربما يسأل السائل: وكيف ذلك؟
الجواب:
– إن الحكمة تُكتسب عن طريق التجارب أو الدراسة أو بالفطرة.. والشخص الحكيم هو الذي يكون منتبهاً وواعياً لما يدور من حوله.. ولكن عليه أتخاذ الأجراءات المناسبة في الوقت والمكان المناسبين. فالمواقف تخضع لمعايير ومستويات معينة.. فليس كل موقف مستوجباً للنفور أو الخصام والعتب وغيرها.. بل هناك ما يمكن تلافيه وتجاوزه.. ولكن هناك من تقف عجلة التواصل أمامه، لأنه مُتعمد الاساءة.. حينها، على الأنسان أن يتوقى الخطر (إذا كان بالإمكان ذلك) أو يواجه ويرد (وهذا يعتمد على ماهية الرد، فالعنف ليس مستحباً ولن يرد الأمور الى نصابها في كثير من الأحيان) أو يهرب، وهذا ما يفعله الجبناء وفق منظور عالمنا المُتعصب. ولكن لو فكرنا ملياً، لأكتشفنا أحياناً بأن الأبتعاد عن المخاصمة قد يُعتبر فوزاً، مثلما يقول المبدأ الإقتصادي "إن التوقف عن الخسارة، ربح".